"قمة شانغهاي".. عالم ما بعد الهيمنة

 

 

 

خالد بن سالم الغساني

 

قمة شانغهاي التي عُقدت اليوم الإثنين، في تيانجين شرق الصين، أبت أن تسجل نفسها كشأن أي اجتماعات عابرة أو محطة بروتوكولية جديدة؛ بل أراها لحظة سياسية فارقة، تكشف أن العالم يتغير فعلًا وأن عصر الهيمنة الأحادية يقترب من نهايته؛ فخطاب الرئيس الصيني، جاء واضحًا وصريحًا في رفضه للأحادية، وسياسة حماية الصناعات والمنتجات المحلية من المنافسة الأجنبية عبر فرض قيود على الواردات ورسوم، وسواها مثل تحديد حصص الاستيراد وتقديم الدعم المالي للمنتجين المحليين، بالإضافة إلى رفضه بشدة عقلية الحرب الباردة، ولم يكتفِ بتكرار ما دأبت بكين على قوله منذ سنوات، بل وضع أمام الحضور حزمة من المبادرات الملموسة، تمثلت في بنك تنموي خاص بالمنظمة، ومنصات للطاقة والاقتصاد الرقمي، وتوسيع استخدام نظام الملاحة الصيني "بيدو"، وتقديم منح وقروض بمليارات العملة الصينية. كل ذلك يعني ببساطة، أن البدائل لم تعد فكرة نظرية؛ بل أنها تتحول إلى واقع يتبلور خطوة بخطوة.

أعتقد أن ما يجعل هذه القمة مختلفة هو قدرتها على تحويل الخطاب السياسي إلى أدوات مؤسسية واقتصادية.

تبني "الاستراتيجية العشرية" حتى عام 2035 يعكس أن دول المنظمة تفكر بمنطق التخطيط الطويل الأمد، لا كرد فعل على أزمة آنية. ومع اتساع عضويتها نحو آسيا الوسطى والشرق الأوسط، فإن وزنها الديمغرافي والاقتصادي سيجعلها رقمًا صعبًا لا يمكن تجاوزه.

ومن الواضح أن هذا المسار يسعى إلى تقليص قدرة القطب الواحد على فرض شروطه على الجميع، فكلما توفر للدول الأعضاء تمويل بديل، وتقنيات مستقلة، وشبكات تعاون متحررة من الضغوط، كلما تقلصت فاعلية أدوات الإكراه الأحادية.

إن العالم يدخل مرحلة جديدة من التوازن، حيث تتعدد مراكز القوة والقرار، وحيث لا يعود ممكنًا لطرف واحد أن يدير النظام الدولي بمفرده.

برأيي، قمة تيانجين تمثل إعلانًا واضحًا بأن منظمة شانغهاي باتت منصة جدية لإعادة صياغة قواعد اللعبة الدولية، وأنها ليست كما يعتقد أو يتمنى البعض في اعتبارها تجمعًا إقليميًا، مثله مثل أي تجمع مماثل. وإذا استمرت ديناميكية المنظمة بهذه الوتيرة والجدية، فإن السنوات المقبلة ولا شك، ستشهد تراجعًا متزايدًا لفاعلية الأحادية، وصعودًا تدريجيًا لعالم متعدد الأقطاب أكثر منطقًا وعدلًا وتوازنًا وقوة.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة